اليوميه الاولى
نفس صاعد ... ونفس نازل
وريح عاتيه قويه فوق سحابه المطر والريح تلعب بمعطفي الشتوي,وحقيبتي اليدويه كل دقيقه ترتفع من يدي وتكاد تطير في الجو,
ما كنت انوي الخروج .. ماكنت انوي ان اسير في جو الغيوم والعواصف والامطار .. ولكن اجبرتني الوحدة , ولحظات الصمت الذي دام طويلاً في منزلي الذي اعيش فيه لوحدي .
كانت طبول الضجر تدق في اوصالي كان طريقي معبد ورصيفه شامخ كما اشجار الطريق صامدة امام الرياح القويه ولكني كنت اتعثر في المسير , فقد كان الهواء يلوح بي كالمنديل فقد كنت مسكون بالفراغ والملل من ايامي ومن اقسى تعبير وصفه وظرف يمر به انسان هي الغربه.....
اتعس ما احسه واقبح ما انا به هو الغربه .. في خارج الوطن او في داخلهِ ,فقررت بعد مسيري ان اعود من الغربه وان احضن بين ذراعاي حدود الوطن......
اليوميه الثانيه
ساعات طويله مرت عليَ ,ولم ادرك ما قررت وما فعلت وما قلت للاصدقاء هنا في غربتنا عن احباء الروح والقلب زملاء الدراسه والجيران والاهل ومن حاربنا لأجلهم ومن سافرنا لأجلهم ومن نحتنا الصخر لهم وفي سبيلهم ...
لم اشعر بلحظات صفاء في حياتي كلها .. لم اقضي ليله واحدة في صفاء ذاتي مع نفسي , كان تفكيري هادر كالشلال المنهمر من اعالي السماء لقد انصب جل تفكيري في موضوع غريب او هو تحديد مصير حياتي الغريب ..
لم انتبه في مسيرة حياتي وعمري الطويل لمصيري وقدري ولم افكر ولو في جلسه صغيرة مع ذهني ان اعيد ترتيب درج حياتي واحدد وارسم بلون الاحمر الخطوط العريضه لمستقبلي المذبوح هناك في بلادنا فبعد سنوات الدراسه والتحصيل العلمي وبعد خدمه العلم وسنوات القهر والدمار والحروب كانت النتيجه هي السفر والغربه والنفي خارج اسوار ارضي وارض اجدادي واحبائي .
انصب همي في ان اقف من جديد على ارض الوطن وان تعود وجنتيَ محمرة من شمس بلادي الحارة بعد صعيق وجوهنا هنا في ديار الاغراب وشمسهم المزيفه ....
اردت ان اعود لأنعم بما تبقى من حياتي بشمس بغداد ذات الاشعه الذهبيه .
اليوميه الثالثه
كان قراري هو اصعب قرارات التحدي اصعب حتى من قرار السفر او المشوار والبعد والابتعاد عن حبيبه الدراسه وصديقات شارعنا الحبيب وقصص وحكايا افعمت العقول بألف خبر وخبرة.
كان القرار ان ابحث لنفسي عن سبيل للخلاص وأن افتح بيدي حبل ربطته على عنقي سنوات كثيرة ,ان افك اغلال الملل والوحده القاتله التي نمر بها كل يوم نحن الجاليات العربيه هنا في الدول المتحضرة ولكن مع الاسف حضارتها لم تصل الى الحنان ولم تدق بابه , حضارتهم التي لاتعرف معنى حنان امي وطيبه ابي ودفئ مسكني ,حضارتهم التي لا تعرف الجيرة والتآخي والسؤال والوقوف اثناء المحن والشدائد ... كانت حضارتهم اسم وشعار لا حقيقه ولا معنى فأكثر الناس شعوراُ بها نحن العراقيين هنا فقد كنا بعيدين عن قلوب الحجر والحديد والصدأ المغلف بها .
كان الخوف داخلي من كل شيء , قد تشعر بالخوف لأنك مسافر بلا جواز للسفر ومعك حقيبتك الصغيرة التي تجمع بها شتات نفسك وتضع فيها اخر مقتنياتك من بلدك وصور الاحبه والصديقات ورسائل الاصدقاء وخبز امك ورائحه ابيك ودعاء السفر ... تضع فيها اخر ما تبقى لك من ذكرياتك في بلدك الخارج منه رغم انفك ورغم القانون .
ماذا تاخذ معك وكل ما تركته عزيز عليك وكيف تأخذ معك وبقاياك هناك مغروسه مع الشجر والماء وخيرات بلدك واطيافهِ التي لا تعوض بشيء .
فكل الذي اتذكر اني اخذته في حقيبتي هو كم قطعه ملابس وكم شيء اعدته لي امي يوم السفر وحفنه تراب من حديقه البيت كنت افكر في خلدي ان مت بالغربه اوصي من يقيمون على دفني بذر تراب ارضي على قبري كي انام مطمئن في رحمه الله .
لم اقوى على اخذ أي شيء معي , ما اردت شيء اراة واتذكر الاحبه اردت الذاكرة حاظره على طول الخط ترسم وتسترجع عنوان الزمان والمكان والصوت والصوره بكل التفاصيل الدقيقه , وحقيقه لم تخذلني.
هذه كانت مقتنياتي يوم غادرت الوطن وفي المستقبل عندما اعود لا ادري بماذا سوف اعود؟
همي كان ان ارجع لوطني وانا على قيد الحياة فأمنيتي التي ما فارقتني هي ان اعود لحظن امي .
فأنا ما شبعت من حظن امي ودفئ مجلسها وحظن بلدي ودفئ شمس صباحه الباكر .
اليوميه الرابعه
كانت فكرة سخيفه وعينفه في نفس الوقت عندما قررت ان افتح امامكم مفكرتي وأن اطلعكم على ما فيها , وان اكشف لكم ماتحت ستائر الحروف من وجع صاحي منذ سنوات , جعلت لكم حروفي مكشوفه متعريه منتزعه من التزييف والخداع جعلتها امامكم فكرت ان اتلوها واحكيها ولكن للاسف في كل انا مطارد في خيالي مطارد في احلامي مطارد في واقعي محاصر وفي طيات الايام اسكن خلف قضبان الصمت وعدم فتح نوافذ السعير ,
ما كنت اريد ان افتح امامكم نوافذ السعير فقط اردت ان اخبركم واشرح لكم عن انفاسي وكل انفاس من يقطنون في ظلام الغربه فهو نفس ناقص لنسبه الاوكسجين اللازمه لديمومه الحياة ومواصله المسير.
ان اخبركم بهذا ربما تكفون عن الرحيل وتخرجون من جوفكم فكره نفيكم الى المجهول .
انا ابلغت , واترك القرار لكم
اليوميه الخامسه
صار موضوعي قيد التنفيذ , خرجت من دوامه الامنيات والاحلام المزيفه ونويت ان اغير عنوان السكن ورقم جواز السفر وتأريخ الميلاد ,محوت سنين الدراسه والطفوله وخربشات الحياة على اسطح العقل ,
قمت بتغير رقم هاتفي وطريقه تعاملي واسلوب فكري عملت المستحيل كي انكر وجودي ...
كي لا يتعرفون من لهم الحق بأرجاعي من ارضي , الشيء الوحيد الذي تعذر عليَ فعله هو تغير دمي وتبديل فصيلته ..
فهم قد يتوهمون في كل ما اخفيت عنهم ألا دمي الذي لو اخذو منه قطرة لعرفوني فدمي ومنذ ولادتي ممزوج بماء دجله وطين ضفافه .
سيعرفون اني من اهل البلد , صدقوني لو كان بيدي لفعلت كي لا اترك لهم فرصه اعادتي من حيث اتيت , من بلاد ارفضها وتريدني وبلاد اريدها وقوانينها واعرافها ترفضني. ما العمل لست ادري؟
اليوميه السادسه
بدأت بمشواري ومشيت خطوات لأصل لمبتغاتي ووطني ..
وبقيت امشي وكانت الطرق تطويني وساعاتي تدور وعقارب الوقت كانت تدور .. والرأس يدور
كانت قدماي تسير في خطواتها دون ارادتي كنت اسير دون وعي ودون اراده
لا اصدق ما ارى بدأت المح ببصري افق بلدي بدأت اشم رائحه تمرهِ واطياب اهلهِ , بدأت انتعش بنسماتهِ بدأت احس بحراره شمسهِ الدافئه كما كنت اذكرها قبل السفر كنت اسير و لااحد يوقف خطواتي , كنت اتعجب من مسؤل الجوازات والحدود وهو يختم لي بالختم الاحمر مرور دون توقف ,لم اصدق نفسي ولا واقعي .. الحمد لله وصلت بلدي هذا ماقلته اخر شيء وبعدها ....
صحوت من منامي فأذا به حلم جميل وانني ما زلت اقطن خلف قضبان الغربه المريرة والنفي خارج اسوار الوطن الغالي ,اه كم تمنيت ان اعود لاحضان وطني ووطن ابائي واجدادي ووطن الخلود ياهل ترى متى سنعود.
No comments:
Post a Comment